لما تم ما أراده الله من تطهير بيته من الرجس والأصنام وتاقت نفوس المسلمين إلى الحج وقد عهدهم عنه وطفحت كأس الحب والحنان ودانت ساعة الفراق وألجأت الضرورة إلى وداع الأمة، أذن لنبيه الحج.
وخرج من المدينة ليحج البيت، ويلقى المسلمين ويعلمهم دينهم ومناسكهم ويؤدي الشهادة، ويبلغ الأمانة ويوصى الوصايا الأخيرة ويأخذ من المسلمين العهد والميثاق ويمحو آثار الجاهلية ويطمسها ويضيعها تحت قدميها. وحج معه أكثر من مائة ألف إنسان. عزم رسول الله على الحج وأعلم الناس أنه حاج. فتجهزوا للخروج معه. وسمع بذلك من حول المدينة. وقدموا يريدون الحج مع رسول الله ووفاه في الطريق خلائق لا تحصى, وخرج من المدينة يوم السبت بعد صلاة الظهرأربعا. وخطبهم قبل ذلك خطبة علمهم فيها الإحرام ووجباته وسننه، ثم سار وهو يلبي ودخل مكة في رابع من ذي الحجة ودخل مسجد الحرام وطاف بالبيت وسعى بين الصفى والمروة وأقام بمكة أربعة أيام، ثم توجه يوم التروية بمن معه من المسلمين إلى منى، فلما طلعت الشمس اليوم التاسع من ذي الحجة وسار إلى عرفة وكان يوم الجمعة فنزل بها.
وخطب الناس يوم عرفة وهو على راحلته خطبة عظيمةقرر فيها قواعد الإسلام وهدم فيها قواعد الشرك والجاهلية وقرر فيها تحريم المحرمات التي اتفقت الملل على تحريمها، وهي الدماء والأموال والأعراض. ووضع فيها أمور الجاهلية تحت قدميه ووضع فيها ربا الجاهلية وأبطله. وأوصاهم بالنساء خيرا وذكر الحق الذي لهن وعليهن وأن الواجب لهن الرزق والكسوة بالمعروف.